إنَّ
الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من
شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن
يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ
أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ
تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله،
إن التواصي بالحق والصبر عليه سمةٌ عظيمةٌ من سمات المسلمين، وقد أثنى
الله على المتواصين بالحق والصبر والتراحم، قال جل وعلا: (ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد:17-18]، وقال مبيناً أسباب النجاة من الخسارة، (وَالْعَصْرِ*
إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
[العصر:1-3]، إن التواصي بالحق والصبر عليه سنة إلهية ومنهج نبوي أوصانا
ربنا بوصايا وأوصانا نبينا بوصايا وأمرنا الله ورسوله بالتواصي فيما بيننا،
وإن للتواصي بالحق والصبر عليه شأناً عظيماً في حال الأمة الإسلامية
أفراداً أو جماعات والكل محتاج إلى هذا التواصي أعظم حاجة ذلكم أن التواصي
بالحق والصبر عليه الإنسان بأمس الحاجة إليه ذلك أن الفرد منا لا يخلو من
خطأ ومن تصورات خاطئة قد يظنها حقاً وصحيحة ولكنها في باطن الأمر خطأ
والمجتمع قد يكون فيه اعوجاج في بعض الأمور أو خطأ وسبيل إصلاح ذلك الخطأ
وإقامة ما اعوج من السلوك هو التواصي والتناصح بين الأمة فمتى وُجِد
التناصح والتعاون بين الأمة والتواصي بالحق فإن ذلك يقلل الشر ويجعل
الإنسان يتصور الخطأ الذي وقع فيه فلا يستمر عليه بل يقلع عنه إلى الصواب
هكذا حال المؤمن، والتواصي والتناصح خلق أنبياء الله ورسله قال تعالى عن
نوح عليه السلام قال لقومه: (وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:62]، وقال هود عليه السلام لقومه: (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف:68]، وقال صالح عليه السلام لقومه: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعرف:79]، وقال شعيب عليه السلام: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [الأعراف:93]، ومحمد
أكمل الخلق نصحاً لأمته فقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا
يزيغ عنها بعده إلا هالك، والأمة المحمدية خيريتها في الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والأخذ على يد السفيه وهذا باب التناصح والتواصي بالحق، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)
[آل عمران:110]، ومن فوائد التواصي بالحق والصبر عليه أنه سبب لحفظ الدين
والثبات عليه والتمسك بالخلق القويم والبعد عن المناهج المنحرفة الضالة،
قال تعالى: (شَرَعَ
لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى:13]، وفي الحديث: "الدين النصيحة"، قلنا لمن يا رسول الله قال: "لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"،
وفيه أيضا حق المسلم على المسلم، وإذا استنصحك أخوك فانصح له، ومن فوائد
التواصي بالحق والصبر عليه أنه سبيل للنجاة، كما أن المعاصي والآثام سبب
للهلاك فالطاعات والأعمال الصالحة سبب للنجاة، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]، وفي الحديث يقول : "مثل
القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة فكان بعضهم
أسفلها وبعضهم أعلاها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء أتوا من فوقهم
فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فلم نؤذ من فوقنا قال فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"،
ومن فضائل التواصي بالحق والصبر عليه تقليل الشر، وتكثير الخير، وإشاعة
الخير بين الأمة، إننا في زمن كثرت فيه الملهيات والمغريات والدعوات إلى
الفواحش والمنكرات وذلك من خلال مقاطع الجوال والمواقع الشبكية والأفلام في
الشاشة المعروضة التي غزت كل مكان ودخلت كل بيت وأصبح بإمكان كل من ينظر
ويرى شاء الإنسان أم أبى، فلا بد من مقاومة هذه الحملة العظيمة بالتواصي
بيننا، يوصي الأب أبناءه والأم بناتها بالبعد عن مشاهدة هذه المواقع السيئة
والتحذير من الانخداع بها وما فيها من الضلال والفساد، لأن هناك قنوات
ومحطات أخذت على عاتقها محاربة العقيدة السليمة وقنوات أخذت على عاتقها
محاربة الفضائل والقيم وقنوات أخرى إنما همها القدح في السابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار حملة الشريعة ودعاة الهدى وأنصار الله وأنصار رسوله،
فلا بد من توعية طيبة من معلمين وتوعية من الآباء والخطباء والإعلاميين
بتحذير الأمة من الانخداع بكل ما يعرض على اختلاف وسائل النشر، ومن فوائد
التناصح والتواصي بالحق أنه سبب للأمن وإزالة القلق والانتظار، إن كل فرد
لا يخلو من هموم وأحزان وكربات ومصائب في هذه الدنيا ولكن المؤمن لا يخلو
من عطف إخوانه عليه، وتضميد جراحه، ومواساته، ولذا شُرعت عيادة المريض،
وشُرع إتباع الجنازة، وتعزية المصابين بالموت، كما شُرع للمسلم الوقوف مع
أخيه في شدائده وكرباته، فينفس كرب المكروب وييسر على المعسر، ويواسي
المحتاج، ويضمد الجراح، ويشيع الخير بين أفراد المجتمع، ومن فوائد التواصي
بالحق والصبر عليه أنه سببٌ لانتشار الرحمة والرفق بين المسلمين فمتى شاعت
الرحمة في مجتمع كانوا في أمن وخير، الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في
الأرض يرحمكم من في السماء، إنما يرحم الله من عباده الرحماء، ومن فوائد
التواصي بالحق والصبر عليه أنه سببٌ لتماسك المجتمع، سببٌ لتماسك المجتمع،
وسلامة بنيانه من التصدع، وعطف المسلمين بعضهم على بعض، وتوطيد أسباب
المحبة بين أفراد المجتمع، وأن يشعر كلٌ بواجبه نحو إخوانه المسلمين، فإذا
شَعُر بهذا الواجب انطلق داعياً، ومرشداً، ومبشراً، ومحذراً، وناصحاً،
ولهذا يقول الله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) [التوبة:71]، فهم أولياء فيما بينهم ولاية تلزمه محبة أخيه والسعيِّ فيما يصلحه والكف عن أذاه وفي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
أخي المسلم، إن هناك وصاياً من ربنا في كتابه، ووصاياً من نبينا
وكل هذه الوصايا إن تعقلناها حقاً وتدبرناها حقاً فإنها خيرٌ لنا في
العاجل والآجل، الله جل وعلا أوصى الخلق كلهم أولهم وآخرهم بتقواه، قال
تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، ووصانا بالعدل في الميراث بقوله: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء:11]، وأوصانا الله بالوالدين والإحسان إليهما، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) [العنكبوت:8]، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا
الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ) [لقمان:14]، (وَوَصَّيْنَا
الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً
وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف:15]، ولمَّا أمر بتوحيده وحذَّر من الشرك وأمر ببر الوالدين ونهى عن قتل الأولاد والفواحش وقتل النفس، قال تعالى: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام:151]، ولما نهى عن قربان مال الأيتام إلا بالحسنى وأمر بالوفاء بالمكاييل والموازين والعدل في الأقوال، قال تعالى: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام:152]، ولما أوضح سبيله المستقيم ومنهجه القويم وحذر من سبل الأهواء والضلالات، قال تعالى: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، ونبينا له عدة وصايا، فمن وصاياه ، سأله رجل قال: يا رسول الله أوصني قال: "لا تغضب"، فردد مراراً قال: "لا تغضب"، قال أبو هريرة أوصاني خليلي بثلاث، "أن أوتر قبل أن أنام، وأن أصلي ركعتي الضحى، وأن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام"، وقال لمعاذ: "إني أحبك فأوصيك ألا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وأعني على شكرك وأعني على حسن عبادتك"، وقال له: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، جاءه رجل فقال إني مسافر يا رسول الله فأوصني قال: "أوصيك بتقوى الله والذكر على كل شرف، ثم قال اللهم اطوِ عنه الأرض وهون عليه سفره"، هكذا وصايا محمد ، وأوصى أمته بقوله: "أوصيكم بتقوى الله"، وقال العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله موعظةً وجِلَت منها القلوب، وذرفت منها الدموع، قلنا يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ولو وُلِّي عليكم عبد حبشي" الحديث، هكذا وصايا ربنا ووصايا نبينا ، واسمع الله يقول عن نبيه إبراهيم: (وَوَصَّى
بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132].
إن التواصي
بالحق والصبر عليه أمرٌ مطلوبٌ منا من جميع شرائح المجتمع على اختلافه،
فأولاً بين الزوجين، فلا بد منهما من تناصحٍ وتعاونٍ وتواصٍ بينهما، عندما
تشعر المرأة من زوجها خطأ، أو تصرفات خاطئة، أو بعض أمور تظنها سيئة، ما
الواجب عليها؟ الواجب أن تنصح ذلك الزوج، وأن توجهه، وأن تحذره من الأخطاء
التي وقع فيها، دون تشنجٍ، ودون اضطرابٍ، ودون نشرٍ للأمور خارج المنزل،
لأن هذه الأمور قد تزيد الخطأ خطأ، وتجعل الخطأ لا يعالج، فإن الأخطاء لا
تعالج الأخطاء، وإنما تعالج بالحكمة والرفق وحسن الأسلوب، فربما وقعت على
أخطاءٍ عند زوجها فلا بد من نصيحته وتوجيهه وتحذيره، فإذا صدقت نيتها بارك
الله في مقاصدها، أما إذا إفشاءها وإخراجها خارج المنزل والاتصال بالصديقة
والقريبة حصل كذلك وجرى كذا فهذا يزيد الطين بلة ولا يحقق الغرض المقصود
وإنما يكون بعكس ما أريد، الزوج أيضا ينصح زوجته نصيحة المحبة والمودة يصلح
أخطاءها يقيم ما اعوج من سلوكها بحكمة ورفق ولين دون أن يشاع ذلك بين
الأولاد أو خارج المنزل لأن المقصود هو تقويم الإعوجاج وإصلاح الخطأ لا
نشره وإشاعته، الأب مع أولاده يربيهم صغاراً ويحرص على توجيههم وتربيتهم،
والأخذ على أيديهم، وأمرهم بالخير وتحذيرهم عن الشر، ثم معهم في كبرهم
بوصيته لهم ونصيحته لهم إن رأى منهم جفاءً أو رأى سوء تصرف بينهم أو رأى
اختلافاً بينهم حاول أن يصلح شأنهم وينصحهم ويوصيهم بالخير قدر ما يستطيع،
الإنسان مع إخوانه أشقاءه وشقيقاته ينصحهم أو مع إخوانه وأشقائهم من أبيه
ينصح ويوجه ويحذر ويدعو إلى الخير ولا يقرهم على خطأ يعلمه بل يدعوهم إلى
الخير فيما بينه وبينهم نصيحة سر ونصيحة مشفق ومحب للخير، الإنسان مع
أرحامه وأقاربه يوصيهم وينصحهم، يحذرهم من القطيعة وينهاهم عنها، ويُقرّب
وجهات النظر ويتفقد المحتاج ويساعده ويعينه على الخير قدر ما يستطيع، جارك
له حق عليك، الإحسان إليه وكف الأذى عنه، وإن من الإحسان إليه أن تنصحه
وتوصيه بالحق وتبين له الأخطاء التي وقع فيها لكي يجتنبها فذاك من أعظم
الإحسان إليه، بين الراعي والرعية تناصح وتواص بالحق، فالراعي يوصي رعيته
بالخير ويحثهم عليه، وهم أيضا ينصحونه بالقنوات المطلوبة، والنصيحة
الهادفة، والوصية الصادقة، ودعاء الله بالتوفيق والسداد، دون نشر الأخطاء،
ودون تكثيرها وتكبيرها، الواحد مع زملاءه ناصحاً وموصٍ بتقوى الله ومحذرهم
مما يرى فيهم من الخطأ والسلوك السيء وهو أيضا مع زملاءه في العمل يوصيهم
بالجد والإخلاص والصدق في تعاملهم، الرئيس مع موظفيه ومسئوليه هو ناصحٌ
وموجه ومرغبهم بالصدق بالعمل ومحذرهم من كل ما يسبب الفساد أو ينشر الرشوة
أو يذيع شراً على الأمة، إن التناصح بين الجميع متى ما وقع على صدق وإخلاص
دل ذلك على صلاح الأمة، والله جل وعلا قد أخبرنا أن كلاً منا في خسارة إلا
من استثناه الله بقوله: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
[العصر:3]، فيوصي المسلم أخاه بالحق بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله
ولقاءه والقضاء والقدر ويوصيه بالمحافظة على فرائض الإسلام وواجبات الدين
والبعد عما يخالف شرع رب العالمين، ويأمرهم بالصبر على الطاعة، والصبر عن
معاصي الله والصبر على أقدار الله المؤلمة، ويذكرهم قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45]، وبقوله تعالى: (وَالَّذِينَ
صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا
مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ
يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ
بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
[الرعد:22-23]، وما أعطي أحد عطاءً خير وأوسع من الصبر يوصيهم بالتراحم
فالمسلمون رحماء بينهم يرحمون جاهلهم ويعلمونه ويرحمون عاصيهم فينصحونه
ويرحمون فقيرهم فيواسونه ويرحمون أيتامهم ويرحمون الأرامل ويرحمون المرضى
ويرحمون القاصر عن طلب حقه بالشفاعة له، فالرحمة شائعة بينهم لأنهم أصحاب
مبدأ سليم، وتعاون ومحبة صادقة تركها الإيمان الصادق في النفوس، قال تعالى:
(ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)
[البلد:17-18]، فالتناصح بيننا والتواصي بالحق وإصلاح الأخطاء هو مطلوب
منا بحكمة وبصيرة ورفق في الأحوال كلها لا شماتة بأحد ولا فرح بخطأ أحد
ولكن حرص على تكامل الأمة وتواصيها واجتماع كلمتها، جعلني الله وإياكم من
المتواصين بالحق والصبر عليه.
واعلموا
رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى
اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم
بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذّ شذَّ في النار،
وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبدالله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم،
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
[الأحزاب:56]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه
من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي
ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور
الرحيم.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ
عبد العزيز ال الشيخ