إن أكثر أمثال القرآن مضروبة للقضايا الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة المتعلقة بأصول الدين، لذلك اختص أهل العلم
بفهمها وتعلقها.
قَال تعالى:{وَتَلْك الأمْثَال نَضْرِبُها للنَّاسِ وَما يَعقلهَا إِلا العَالمونَ}
وفي هذا توجيه لطلاب العلم إلى تفهم وتعقل الأمثال القرآنية، وتكليف لهم بشرحها وبيانها للناس. ففيه حث على تعلمها وتعليمها، ولأجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الأمثال.
قَال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "عقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل"قَال ابن كثير - رحمه الله -: "وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه حيث يقول الله تعالى:{وَتَلْك الأمْثَال نَضربهَا للنَّاس وَمَا يَعقِلهَا إِلا العَالمونَ} وأولى من يقوم بذلك الأقسام العلمية في الجامعات الإسلامية المتخصصة في قضايا العقيدة، التي تعتني بإبراز ما كان عليه السلف الصالح من الدين في مسائل الإيمان وما يتصل بها، كقسم العقيدة بالجامعات الاسلامية .
أهل العلم عقولهم في صورة الممثَّل به، وفهم أجزائه، وما يقابلها من حال الممثَّل له، فيحصل بذلك فهمها وإدراك المراد بها، واستخلاص العبر والفوائد منها.
كما أن المنهج التفصيلي متفق مع ما أخبر الله من أنه يفصّل الآيات بضرب الأمثال. ولا يحصل التفصيل إلا بالدراسة المفصّلة لها، قَال تعالى في سورة يونس بعد أن ذكر مثلا لحال الدنيا: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
قال ابن جرير - رحمه اللَّه - في قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمْثَالَ}:
"يقول تعالى ذكره: انظر يا محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثلوا لك الأمثال، وشبهوا لك الأشباه بقولهم: هو مسحور، وهو شاعر، وهو مجنون"
وإنما سمى اللَّه تعالى تلك الأوصاف التي وصفوا بها النبي صلى الله عليه وسلم أمثالاً باعتبار أنهم مثَّلوه في أنفسهم، ثم وصفه كل منهم بما يوافق ما مثّله به.
فالذي وصفه بأنه شاعر، اشتبه عليه حاله وما يأتي به من الوحي المطهر الفصيح المؤثر بحال الشاعر، فتماثل حاله مع حال الشاعر عنده، فوصفه بأنه شاعر، فالدافع إلى الوصف في الأصل هو اشتباه التماثل، وكذلك مَن وصفه بأنه ساحر أو مجنون، اشتبه عنده حاله بحال أولئك فمثَّله بهم، ثم وصفه بتلك الأوصاف.
فالتعبير بلفظ "الأمثال" لما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم يُشير إلى أصل الوصف، وهو التمثيل والمشابهة التي قامت في قلوبهم قبل أن يصفوه.