السلام عليكم ورحمة من الله وبركاته ..
نتابع فيما يخص حقيقة الجهاد باذن الله وطبعا حقيقة الجهاد الذي لم يتابعه الكثيرون منكم هو جزء اول لهذا القسم
حقيقة الجهاد .. مهم جدا ً ..
اشكر متابعتكم ...
في سبيل الله
لكن " الجهاد " الإسلامي ليس بجهاد لا غاية له ؛ وإنما هو الجهاد في سبيل الله، وقد لزمه هذا
الشرط لا ينفك عنه أبداً. وذلك أيضاً من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لتبيين فكرته، وإيضاح
تعاليمه، كما أشرت إليه آنفاً.
وقد انخدع كثير من الناس بمدلوله اللغوي الظاهر وحسبوا أن إخضاع الناس لعقيدة الإسلام
وإكراههم على قبولها هو " الجهاد في سبيل الله "، وذلك أن ضيق صدورهم وعدم اتساع مجال
تفكيرهم يعوقهم أني يسموا بأنفسهم فوق ذلك وُيحلِّقوا في سماء أوسع من سمائهم، لكن الحق أن "
سبيل الله " في المصطلح الإسلامي أرحب وأوسع بكثير مما يتصورون وأسمى غاية، وأبعد مراماً مما
يظنون بها ويزعمون، فكل عمل تقوم به للمصالح العامة وسعادة المجتمع ابتغاءً لمرضاة الله، لا تريد به
مغنماً أو مكسباً في الحياة العاجلة، فهو في " سٍبيل الله " في نظر الإسلام.
فإذا أنفقت مما رزقك الله في وجوه الخير والبر ؛ تريد أن تعود عليك هذه المبرةُ بشيء من المنافع
الأدبية أو المادية في هذه الدار الفانية ؛ فليس ذلك من سبيل الله في شيء، وأما إذا أسديت إلى مسكين
أو معوز معروفاً لا تريد به إلا ابتغاء وجه ربك، فلا ريب أن ذلك عمل يعد في سبيل الله، فهذا
المصطلح الإسلامي الخاص – أي المصطلح في سبيل الله – يطلق على الأعمال التي تؤدى خالصة لوجه
الله من غير أن يشوبها شيء من شوائب الأهواء والشهوات، يؤديها المرء معتقداً أن عمل الإنسان
لسعادة إخوانه ينيله مرضاة الله تعالى، وأن غاية ما يتمناه الرجل من هذه الحياة الدنيا، وما يقوم به فيها
من عمل هو ابتغاء وجه ربه الأعلى، لا غير.
فما قيد الشارع " الجهاد " بهذا الشرط إلا للدلالة على هذا المعنى، فالذي يتطلبه الإسلام أنه إذا
قام رجل أو جماعة من المسلمين، تبذل جهودها وتستنفد مساعيها للقضاء على النظم البالية الباطلة،
وتكوين نظام جديد حسب الفكرة الإسلامية، فعليها أن تكون مجردة عن كل غرض، مبرأة من كل
هوى أو نزعة شخصية، لا تقصد من وراء جهودها وما تبذل في سبيل غايتها من النفوس والنفائس إلا
تأسيس نظام عادل يقوم بالقسط والحق بين الناس، ولا تبتغي بها بدلاً في هذه الحياة الفانية، ولا يكون
من هم الإنسان خلال هذا الكفاح المستمر والجهاد المتواصل لإعلاء كلمة الله أن ينال جاهاً وشرفاً أو
سمعة وحسن أحدوثة، ولا يخطرنّ بباله أثناء هذه الجهود البالغة والمساعي الغالية أن يسمو بنفسه
وعشيرته، ويستبد بزمام الأمر، ويتبوأ منصب الطواغيت الفجرة بعد ما يعزل غيره من الجبابرة
المستكبرين عن مناصبهم.
وها هو القرآن الكريم ينادي بملء صوته :
.[ ( الَّذِين آمنوا يقَاتِلونَ فِي سبِيلِ اللَّهِ والَّذِين كَفَروا يقَاتِلونَ فِي سبِيلِ الطَّاغوتِ ) [ النساء : ٧٦
والطغيان، حسب ما نصت عليه معاجم اللغة، هو مجاوزة الحد، وكل شيء جاوز المقدار والحد
في العصيان، فهو طاغٍ، يقال : طغى السيل : ارتفع حتى جاوز الحد في الكثرة، ومنه ورد في التتريل :
( إِنا َلما طَغا الْماءُ ) [ الحاقة : ١١ ]، فاستعير الطغيان فيه لتجاوز الماء الحد، وكذلك إذا تجاوز
الإنسان الحد وعلا في الأرض يفسد فيها ويستعبد الناس بالقهر والإكراه، يسلبهم حقوقهم ويحرمهم
ثمرات الأرض وخيراا، فذلك هو " القتال في سبيل الطاغوت " الذي ندد به الله وجعله شعار الكفار
وديدنهم.
أما القتال في سبيل الله، فهو الذي غايته أن يرفرف لواء القانون الإلهي العادل على العالمين وتعلو
كلمته في الدنيا، بحيث يتبع المقاتل في سبيل الله ذلك القانون العدل بنفسه، وكذلك يحمل غيره من أفراد
البشر على اتباعه وامتثال أوامره. وقد وعد الله الذين يقيمون الدين ويعلون كلمته في أرضه ولا يعتون
عن أمره، شأن المفسدين المتكبرين، وعدهم الدار الآخرة وسعادتهما الأبدية، كما قال عز من قائل :
( تِلْك الدار الْآخِرةُ نجعلها لِلَّذِين لايرِيدون علواً فِي الْأَرضِ ولا فَساداً والْعاقِبةُ لِلْمتقِين ) [
.[ القصص : ٨٣
الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر " : وقد ورد في الحديث أنه قال أعرابي للنبي
والرجل يقاتل لِيرى مكانه فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل
.( الله " ( 1
وكذلك أخرج أبو داود والنسائي من حديث أبي– رضي الله عنه – بإسناد جيد، قال : جاء
رجل فقال : يا رسول الله، أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له ؟ قال : " لا شيء له "
إن الله لا يقبل من العمل إلا " :فأعادها ثلاثاً، كل ذلك يقول : " لا شيء له ". ثم قال رسول الله
.( ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " ( 2
فتبين من ذلك أن الله لا يقبل من الجهاد إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم وابتغاء لمرضاته لا
يشوبه شيء من الأغراض النفسية أو الطائفية والقومية، ومن ههنا تعرف ما لهذا الشرط – في سبيل الله
– من أهمية عظيمة في المصطلح الإسلامي، وبذلك تدرك ما في تقييد الجهاد الإسلامي بهذا القيد من
بعد المرمى وسمو الغاية، فأنت ترى أن كل حيوان خلقه الله في هذه الأرض مجتهد في سبيل نفسه،
واصلٌ ليله بنهاره لإدراك غايته والوصول إلى مرماه، لكن المسلمين – أي الحزب الانقلابي الذي يدين
بالإسلام ويؤمن بمبادئه الانقلابية – يؤمنون قبل كل شيء بأهم مبادئ الإسلام الانقلابية، بل ُأسسها
وعمادها، ألا وهو أن ابذلوا مهجكم وأرواحكم وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل إقامة كلمة
الحق وأعدوا لمنازع الشر والطغيان كل ما استطعتم من عدة وعتاد، تدفعوا بقوتكم حيثما كانت،
وتجتثون شجرة الفساد من جذورها مهما رسخت وتغلغلت عروقها في الأرض، وهكذا تواصلون
جهادكم ( حتى لا تكونَ فِتنةٌ و يُكونَ الدين كُلُّه لِلَّهِ ) [ الأنفال : ٣٩ ]. هذا ولا ينبغي أن تكون جهودكم
ومساعيكم في سبيل مطامعكم الدنيئة أو أن تكون أمة هي أربى من أمة وجنس أعلى من جنس.
الآن، وقد بينت في ما تقدم شيئاً من معنى " الجهاد الإسلامي "، ومغزاه الحقيقي الذي قّلما
يتفطن له الناس في هذا العصر، أريد أن أصف " الدعوة الانقلابية " التي جاء بها الإسلام وتحدى بها
المجتمع البشري على اختلاف العصور والأزمان، وصفاً موجزًا مناسباً للموقف والمقام، حتى يكون القراء
على بينة من الأمر ويعرفوا بسهولة ما في طبيعة هذه الدعوة من نزوع إلى الجهاد وافتقار إليه ويتيسر لهم
إدراك غاية " الجهاد " ومرماه.
____________________________________________
1) متفق عليه ( سبل السلام شرح بلوغ المرام : ٦٦ ، ٣ ) ، وفي رواية عند مسلم عن أبي موسى : قال : سئل )
: عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله رسول الله
من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . ( الصحيح لمسلم : كتاب الأمارة ) .
. 2) سبل السلام : ٦٧